التعافي من الإدمان، البعث من جديد!
“الإدمان: طريق اللا عودة!”
كثيراً ما تسمع هذه الجملة، أو ربما بدأت ترددها بينك وبين نفسك بعد أن جربت مرات عديدة أن تقلع ولم تفلح، فتأكدت أن هذا السجن الذي أقحمت نفسك به لا يمكن الهروب منه، وربما ذهبت باعتقادك إلى أبعد من ذلك، فأصبحت تتساءل: هل المدمن يرجع طبيعي بعد العلاج والتعافي؟
ونحن نبشرك: نعم! قد يعود المدمن إلى حياته الطبيعية بعد التعافي ولا يوجد ما يسمى بطريق اللا عودة، ربما كانت العودة من إدمان بعض المواد أصعب من غيرها، وربما يتولد من التعاطي لفترات طويلة بعض الأضرار التي لن يمكن إصلاحها، ولكن الأكيد أن إصلاح ما يمكن إصلاحه والخروج من هذا النفق المظلم المؤدي للهلاك التام هو دافع كافي للتوقف.
وبوجودك هنا أخي القارئ فقد اتخذت بالفعل أولى خطواتك في طريق التعافي، فاسمح لي أن أكون رفيقك في هذه الرحلة وأخبرك ببعض محطاتها، حتى تجدد العزم وتبدأ خطواتك في التسارع، هيا بنا!
لماذا أنت مدمن؟
- “الظروف قاسية”
- “فقدت شخصاً عزيزاً“
- “يعاملونني بشكل سيئ”
- “أنا فاشل”
هل ترددت في ذهنك بعض هذه الإجابات عند سماعك للسؤال؟ ربما كلها؟ أولاً دعني أخبرك يا صديقي أن ما تشعر به منطقي تماما! وهذه الظروف تجعلك دائم الشعور بالحزن والألم، فتتعطل عن أداء عملك أو عن التفوق في دراستك، مما يجعلك تبحث عن شيء يمنحك استراحة قصيرة، وبالفعل فإن المادة التي تتعاطاها تمنحك هذه الاستراحة، وتغيًب عنك هذه المشاعر السلبية لفترة، لكن السؤال ماذا بعد؟ سيزول الأثر وتبقى المشكلة! المخدر لن يعيد لك من أحببت، ولن يتسبب في أن يتوقف من حولك في الإساءة إليك بشكل مفاجئ، ولن تتحسن درجاتك تلقائياً في الدراسة! أي أن المشكلة لا زالت موجودة بل وربما تفاقمت وساءت أثناء انشغالك بالمخدر وانتشائك به. ما أريد أن أقوله أنه يجب أن تسعى لإيجاد الحلول للمشاكل التي تحيط بك بقدر استطاعتك حتى يزول السبب الذي يدفعك للإدمان، وأعلم أن إيجاد الحل ليس سهلاً، لكنك تعلم أن الإدمان لن يزيد الوضع إلا سوءً.
لماذا أستمر في العودة؟
لن أزعجك بالكثير من التفاصيل فهناك مقال آخر به كل ما تحتاج إلى معرفته عن الإدمان وأسبابه وطرق علاجه يمكنك قراءته من هنا. لكن سأوضح لك بشكل عام وبمثال بسيط لماذا يصبح جسمك بحاجة إلى تلك المواد بعد استخدامات قليلة للمادة:
في المخ – حيث تؤدي كل هذه المخدرات تأثيرها – يتم تصنيع ما يعرف بالنواقل العصبية – وسنشبهها بالمفتاح – ومستقبلاتها – وسنشبهها بالقفل -. عندما تقوم بفعل لطيف (مثل تناول طعام تحبه أو لعبة تحبها أو مجالسة أصدقائك) يرتبط عدد معين من المفاتيح بأقفالها، فتشعر أنت بالسعادة، فإذاً أقصى درجة من السعادة ستشعر بها مرتبطة بعدد الأقفال (المستقبلات).
ماذا يحدث عند تناول المخدر؟ تحل هذه المواد المخدرة محل المفاتيح (النواقل العصبية التي يصنعها جسمك)، وترتبط بعدد كبير جداً من المستقبلات (الأقفال)، فتشعر أنت بسعادة غامرة لفترة معينة ثم تنفك هذه المفاتيح، وعندما يحدث ذلك لا تعود لطبيعتك بل تعود حزينا مهموماً باحثاً عن جرعتك التالية.
بعد تكرار العملية عدة مرات يتعطل تصنيع المفاتيح (النواقل العصبية) الطبيعي داخل مخك، ولم يصنعها وأنت تغمره بالمفاتيح من مصدر خارجي، كما يقوم المخ بزيادة عدد الأقفال رغبة في المزيد من السعادة، مما يعني أن الأفعال البسيطة التي كانت تشعرك بشيء من السعادة لم تعد ذات أي قيمة. كما أن الأقفال الجديدة لن تكفيها الجرعة السابقة بل ستحتاج إلى جرعة أكبر هذه المرة، وهكذا تتزايد جرعاتك وتتحول حياتك إلى حلقة محكمة من النشوة الزائفة المؤقتة، ثم حزن شديد، ثم بحث حثيث عن جرعة تالية…
هل الإقلاع عن المخدرات يعيد لخلايا المخ نشاطها؟
لماذا شرحت لك المثال السابق؟ أولاً أريدك أن تعي ما يحدث معك، فوعيك بالمشكلة يسهل عليك التعامل معها وتوقع مراحلها المختلفة، ثانياً أريد أن أبشرك أن هذه العملية عكسية بنسبة كبيرة، أي أنك عندما تسألني: هل الإقلاع عن المخدرات يعيد لخلايا المخ نشاطها؟ أقول لك: نعم! أثبتت الدراسات أنه بالإقلاع عن المخدرات يقوم المخ بتنظيم أعداد المستقبلات، فتقل تدريجياً، كما يستعيد المخ قدرته على تصنيع النواقل العصبية شيئاً فشيئاً، هذه النواقل هي التي تعيد لخلايا المخ نشاطها، وتبدأ أنت باستعادة قدراتك تدريجياً ولهذا عنونت هذا المقال: البعث من جديد! ستشعر بلذة الحياة وستعود إلى التفوق في مجال عملك أو دراستك، وستتمكن مع التعامل مع من حولك واكتساب ثقتهم وصداقتهم، وكل هذا هو نبذة فقط عن حياة المدمن بعد التعافي، وسنتعرف أكثر على حياة المدمن بعد التعافي في الفقرة التالية.
كيف تبدو حياة المدمن بعد التعافي؟
ربما لم تسأل نفسك هذا السؤال من قبل، وذلك لانقطاع أملك من التعافي، لكنك الآن تمتلك عقلية جديدة، وتعرف أن الأبحاث العلمية أثبتت أن التعافي والعودة للحياة الطبيعية ممكن، فإذاً كيف تبدو حياة المدمن بعد التعافي؟
كما كانت قبل الإدمان، لا تهويل في المشاكل، تولد الرغبة ويبعث الشغف، وتخلق الطاقة التي تمكنك من السعي، حسناً ربما ستحتاج إلى بعض الأكواب من القهوة لحل مسألة الطاقة هذه، لكن كلنا كذلك على أي حال.
الفارق بين حياة المدمن قبل التعافي وبعده هو شيء واحد لكنه مهم جداً، وهو أنك بعد التعافي تتمتع بإرادة حديدية لا يمكن ثنيها! كيف لا وقد نجوت من الهلاك، فترى في مجتمع المتعافين من يتحول تماماً إلى شخص منتج ومبدع، بل وربما رياضي ونشيط، فلا يضع هدفاً نصب عينه إلا ويعلم يقيناً أنه سيحققه.
هل يستطيع مدمن المخدرات تركها بدون علاج؟
هذا الأمر يعتمد على عدة أمور منها:
- طبيعة المادة التي يتعاطاها: فهناك مواد أسهل من غيرها ولا تصيبك بأعراض انسحاب قوية، وهناك مواد أخرى تحتاج لاستخدام أدوية أخرى مثل (المهدئات ومضادات الاكتئاب) تساعد على تركها.
- المدة التي استمر فيها التعاطي: فلا شك أن اتخاذ قرار التوقف بعد مدة طويلة ليس كمن راجع نفسه وتوقف مبكراً، الأخير قد يتمكن من التعافي دون علاج أو أدوية بعكس الأول.
- مدى سوء استعمال العقار، فربما طالت المدة لكن لم يستسلم تماماً للمخدر ولم تتزايد الجرعات بشكل كبير.
بالطبع توجد بعض المواد التي لا يمكن التعافي من إدمانها دون علاج ولكن ما المشكلة في ذلك إذا كان هذا هو ثمن التعافي.
هل يمكن الزواج من مدمن متعافٍ
- أولاً: لا تعرف نفسك على أنك المدمن المتعافي، لا تكن هذه هي صورتك عن نفسك. بما أنك سلكت طريق التعافي بالفعل فاعتبر مرحلة الإدمان هذه من الماضي، ومن منا ليس له ماضٍ.
- ثانياً: إذا كنت قد عافاك الله تماماً من هذا البلاء، فبعض الآراء الشرعية تبيح لك ألا تذكره عند التقدم للزواج أصلاً.
- ثالثاً: إذا كنت تفضل أو تشعر أنه من الضروري أن تبوح بذلك لشريك حياتك، فليكن. ومن واجبنا كمجتمع أن نكون عقلاءً متقبلين داعمين لمن اختار الطريق الصحيح، وذلك بأن يتم الحكم على حالك الآن، لا على ماضيك، فاحرص أن تتقدم لأناس يفهمون ذلك ويعونه، حتى يجعلهم الله عوناً لك في طريقك، وليس العكس.
كم مدة علاج الإدمان والتعافي منه؟
هل تسألني: كم سيأخذني من الوقت حتى أصبح سعيداً؟ بالنسبة إلي ستكون الإجابة: أيا ما يكون! فليمض من الوقت ما يمضي إذا كنت في النهاية سأتحرر وأكون سعيداً!
لكن بشكل عام فإن المدة تختلف باختلاف نفس العوامل التي ذكرناها سابقاً:
- طبيعة المادة
- مدة الاستخدام
- مدى سوء الاستخدام
وقد يبرز أمامك اسم مستشفى الأمل، وهي أحد أكبر الصروح الخاصة بعلاج الإدمان والأمراض النفسية، وقد يكون سؤالك محدداً: كم مدة علاج الإدمان في مستشفى الأمل؟
فحتى مستشفى الأمل لها برامج مختلفة لعلاج الإدمان، تناسب كل منها حالات معينة.
لكن وبشكل عام فإن جسم الإنسان يحتاج إلى ما يقارب 90 يوماً للتخلص من عادة معينة، ولا شك أن الإدمان شكل من أشكال التعود.
أخيراً اعلم أن الإدمان داء مزمن قد تتعافى منه، لكن سيظل شبح الانتكاس يطاردك، فلا تعبأ به، طبق ما تعلمته في هيلثاوي، واستمر في الانتصار على إدمانك وتقوية عضلات الإرادة عندك في كل مرة تعاودك فيها تلك الهواجس السيئة، واستعن بمن له الخبرة ليقدم لك الحلول والخطط، واهتم بصحتك النفسية والجسدية حتى لا تتمكن هذه الهواجس منك أبداً، عافانا الله وإياكم.