محنة ومنحة | متى تركك الله!
محنة ومنحة
المنحة دائما تخرج من رحم المحنة، فللّه الحمد والمنة.
هيا بنا نتعلم درسًا جديدًا في كيفية مواجهة الصدمات، ونتعرف على نعمةٍ من نعم رب الأرض والسموات.
فإن كنت يا صديقي في غفلة فأكثر من ذكر هادم اللذات، وسوف تسمع مني كلمات تساعدك بإذن الله على الخروج من الأزمات.
حدثت الحادثة الكبرى في حياتي، بل ليتها حدثت لي، ولكنها حدثت لطفلي الصغير
وكما هو معلوم أو كما نقول دائما في جمهورية مصر: الضنا غالي، هيا بنا ننبش في أوراق التاريخ،
تاريخي مع الصدمات، فاحجز مقعدك وهيا بنا نبدأ قصتي أو إن شئت فهي قصتك
المحنة (الاختبار)
لا ندرك ما نحن فيه من نعمٍ حتى ينزل علينا الاختبار!
في ليلة مظلمة، لم أرَ فيها القمر، خرجتُ من العمل قبيل صلاة الفجر، ووصلت إلى بيتي وقابلت الأهل
سلمت علي زوجتي وشريكة حياتي، وقبّلتُ بالطبع كلَّ أولادي، ثم رفع المؤذن الأذان،
فقلت لهم: هيا بنا نحصِّل الأجر ونوقظ الجيران
ذهبتُ للوضوء وكان المنزل مضئ، لكن وبعد دقيقة واحدة، صرخت زوجتي، وصرخ أطفالي، وكأن الليلة المظلمة أظلمت بيتي
خرجت كالمجنون ووجدت طفلي الصغير -الذي أنا به مفتون- وجدته وقد أغلق عليه الباب،
أغلقه أخاه الأكبر، وكأن عقلة اصبعه متعلقة به!
أصبحت كأنني فقدت البصيرة ولم أر بفؤادي، بحثت عن هاتفي كالمجنون، ووجدته أخيرًا في جيبي
هاتفت صديقي وقصصت له قصتي، فقال لي إذهب علي الفور الي المشفي وسوف أتبادل معك عطلتي.
فذهبت إلى المستشفى (مستشفى المواساة في الرياض) نسيت وضوئي ونسيت صلاتي من هول الصدمة.
دخلت قسم طوارئ الأطفال، فأخبرني الطبيب أن طفلي يحتاج جراحةً في الحال، وبالفعل خضع للجراحة في ذات الليلة.
كنت أشاهد الجراحة على الشاشة، وكنت أتألم أكثر من طفلي الصغير المسكين،
وكنت أحضن طفلي الآخر حضنًا قويًا متينً، وأقول له: لا تقلق ولا تحزن لن أعاقبك، فالحمد لله أنك بخير.
.كنتُ أيضًا أحاول احتواء زوجتي وأنا الموجوع، وأبحث عن شخص يحتوي قلبي المسكين
انفراجة
وأخيرا خرج الطبيب وقال لي بعد الجراحة: لا تقلق، فطفلك قد يحتاج إلى جراحة أخري بعد أيام، ولكن في النهاية سوف يكون الوضع على ما يرام
كان الجراح يونانيًّـا ماهرًا، وكان المساعد مصريًّا باسمًا، أخبرني أن طفلي يده ضعيفة، والدم لا يصل إلى أطراف أصابعه النحيفة
ثم كتب لي بعض العقاقير، وأعطاني من النصائح الكثير، فجلستُ أفكر وأفكر، وأتذكر كل حزن مر علي، وكأن حزنا واحدا لا يكفيني.
تخيلت أن جميع أصحابي وأقاربي بل وزوجتي وأولادي قد فارقوا الحياة معا، تخيلت أن الدنيا خلت من كل معارفي، وتخيلت أن هذا موقفي.
جلست مع نفسي أحاسبها وأعاقبها وأعزيها، وكان لي في الخلوة -رغم قساوتها- كان لي منحة فيها.
تذكرت بعدها قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما قال: ما أصبتُ بمصيبةٍ إلاَّ ونظرتُ أنَّ الله تعالى أنعم عليَّ فيها بثلاث نِعَم،
الأولى.. أن الله تعالى هوَّنها عليَّ ولم يصبني بأعظم منها وهو قادر على ذلك.
والثانية.. أنَّ الله تعالى جعلها في دنياي ولم يجعلها في ديني وهو قادرٌ على ذلك.
والثالثة.. أنَّ الله تعالى يُثيبني عليها يوم القيامة.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: لم يفقه عندنا من لم يَعُدّ البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
وقال وهب بن منبه رحمه الله: إذا سُلِك بك طريقُ البلاء سُلِك بك طريق الأنبياء
عبادة منسية
يقول عمر: “والله لا أبالي على أي حال من حال الدنيا أصبحت بخير أم بشرٍّ، في رخاء أم ضيق، فرح أو حزن ما دمتُ مسلمًا.
وجدتني أكثر من لاحول ولا قوة إلا بالله، وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: داووا مرضاكم بالصدقات، فتصدقتُ كثيرًا،
وسألت عن أناس يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وتصدقت بفضل الله
كما كنت أعرف أنّ الدعاء هو أكرم عبادة عند الله -تعالى- لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ)،
وأنّ الدعاء ينفع فيما نزل من القضاء، وفيما لم ينزل، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-
(لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل، ومما لم يَنْزِلْ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ)
ولذلك كان الدعاء من أقوى الأساليب التي استخدمتـُها والتي يمكن أن يستخدمها المسلم ليدفعَ عن نفسه البلاء والمكروه، ويستجلب به النَّفع
وعلينا أن نعلم أن الدعاء سلاحُ المسلم الذي يُدافعُ به المصائب
إذ قد يدعو بدعاء قويّ فيغلبُ البلاء، وقد يدعو بضعيف فلا يغلب البلاء، إلّا أنّه يُخفّف منه
.وقد يدعو بدعاء يتدافع مع البلاء ويُعالجه
درس عظيم
بعدما تيقنت من معجزة الدعاء وأهميته، لم أتركه منذ حينها وأصبح رفيقي في الأوقات حالكة الظلمة.
كذلك أصبحتُ أرشدُ كل من يمر بظروف صعبة، أو يمتحنه الله بابتلاء لا يطيق الصبر عليه إلى سحر الدعاء.
لكن لا تنسي الدعاء مع الأخذ الأسباب، واجعل قلبك متعلق بمُسبب الأسباب سبحانه وتعالى
فإذا دعوت مثلا بالرزق، وجب عليك السعي، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أنا في هذه القصة أخذت بالأسباب، فاتصلت بصديقي، فأشار علي بالذهاب إلى المستشفى، فذهبت فورًا إليها، وأنا وزوجتي ندعوا، ونكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله
ثم وجدنا أنه بفضل الله، وبسبب الدعاء، وبالأخذ بالأسباب، يسر الله لنا نجاح العملية، ووفقنا الله في طبيب يوناني محترف
وأنزل الله علينا رحمته وفضله وبصورة عاجلة أنقذوا طفلي، فهذا ما أراده الله، وكل أقدار الله خير
همسة أخيرة
منحني الله القوة، وجعل من رحم محنتي منحة، فمنذ ذلك الوقت وأنا مواظب على الدعاء في السراء والضراء
أسألك بالله عزيزي القارئ أن تدعوا لطفلي ولأطفال المسلمين، وأتمنى أن تحافظ على الخطوات السابقة في السراء قبل الضراء، فوالله إنها مجربة وإنها لله مقرِّبة
اقرأ أيضًا