اضطراب ما بعد الصدمة | يا ليتني كنت نسيًا منسيًا!
Last Updated on: 31st أكتوبر 2021, 08:40 ص
اضطراب ما بعد الصدمة، قد تعصف بالبعض محن دامية وحوداث صادمة؛ تجعل حياتهم تنقلب رأسًا على عقب، وتجعل قلوبهم ثكلى.
ويتجرعون مرارة الأسى والحزن، نتيجة إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة.
في هذا المقال سنضع بين يديك كل ما تود معرفته عن هذا الاضطراب، وأعراضه، وكيفية علاجه، فتابع معنا.
اضطراب ما بعد الصدمة (Post Traumatic Stress Disorder)
حالة مرضية عقلية ونفسية تحدث نتيجة التعرض لصدمات عنيفة أو حوادث مأساوية، مثل: فقدان شخص عزيز، أو التعرض لكارثة طبيعية أو حادثة اختطاف وتعذيب.
يسبب هذا الاضطراب الخوف المرضي والقلق والتوتر للشخص؛ مما يؤثر في ممارسة حياته طبيعيًا، وعدم قدرته على أداء مهامه اليومية وتذبذب علاقاته الاجتماعية أيضًا.
يجدر بالذكر أن اضطراب ما بعد الصدمة المعقد يحدث نتيجة تكرار الصدمات أو امتدادها مدة زمنية، مثل: ما يعانيه الناجون من معسكرات الاعتقال، وأسرى الحروب ومن يتعرضون للإيذاء الجنسي المتكرر.
أسباب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة
تختلف أسباب الإصابة بذلك الاضطراب من شخصٍ لآخر، لكن عادةً يكون السبب الرئيس هو مرور الشخص بحدث جلل هز كيانه وتعرضه لصدمه فطرت قلبه.
ومن أبرز الأسباب التي تسهم في تعرض الشخص لذلك الاضطراب:
-
الحالة المزاجية
في حال معاناة الشخص القلق والاكتئاب باستمرار؛ يكون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية والعقلية.
-
طريقة عمل الدماغ
تختلف طريقة عمل الدماغ في تنظيم المواد الكيميائية والهرمونات المفرزة في الاستجابة للصدمات والإجهاد؛ مما يؤدي إلى تباين ردود أفعال الأشخاص في التكيف والتأقلم مع النكبات.
-
التجارب المريرة
يتباين مقدار الكرب تبعًا لشدة الصدمة ومدى تكرارها، ومن أبرز التجارب المريرة التي تسبب اضطراب ما بعد الصدمة:
- الاعتداءات الجنسية.
- فقدان شخص عزيز.
- التعرض للأذى النفسي أو الجسدي في أثناء مرحلة الطفولة.
- الحروب والصراعات.
-
العوامل الوراثية
يزيد وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب والقلق، احتمالية التعرض له.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
يعاني عادةً المصاب أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في غضون شهر من وقيعة الحدث الصادم، وفي بعض الأحيان لا تظهر الأعراض إلّا بعد مرور عدة سنوات من الصدمة.
من المؤسف أن هذه الأعراض تعوق المصاب عن أداء مهامه اليومية، وتجعل قلبه مفطور كمدًا ليلًا ونهارًا، ولا يلقي بالًا لحاضره ومستقبله.
يمكن تقسيم الأعراض إلى الآتي:
-
توارد الذكريات
تتضمن أعراض توارد الذكريات ما يلي:
- استرجاع الأحداث كما لو كانت تحدث مجددًا.
- إحياء الحدث الصادم وتذكره باستمرار.
- يعاني المصاب الهلوسة.
- كوابيس مزعجة ذات صلة بالحدث الصادم.
- عدم الراحة النفسية والجسدية عند تذكر ذلك الحدث المرير.
-
التجنب
ومن أبرز أعراض التجنب:
- الانزواء على النفس وحب العزلة.
- فقدان الشغف.
- اللامبالاة لأنشطة المصاب واهتماماته السابقة.
- محاولة تجنب التفكير في الحدث المرير.
-
الإثارة والانفعال
تشمل أعراض الإثارة والانفعال الآتي:
- نوبات شديدة من الغضب من حينٍ لآخر.
- التوتر والقلق المزمن.
- صعوبة التركيز.
- الحذر المرضي من أي شيء.
- إيذاء النفس.
- اضطراب النوم.
- اتباع السلوك العدواني.
-
أعراض جسدية
فيما يلي بيان لأهم الأعراض الجسدية التي يعانيها المصاب باضطراب ما بعد الصدمة:
- الصداع المزمن.
- ارتفاع ضغط الدم.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- توتر العضلات وإجهادها.
- الشعور بالتعب والإعياء.
- التبول اللاإرادي، أحد أبرز أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال.
-
الإدراك والمزاج
يتملك الشخص حالة مزاجية سيئة، وتسيطر عليه سيل من المشاعر السلبية، مثل:
- تدني احترام الذات واحتقارها.
- الشعور بالوهن وقلة الحيلة.
- فقدان الثقة بالآخرين.
- صعوبة التذكر وتشتت الانتباه.
- الشعور المستمر بالذنب.
- وجود نظرة تشاؤمية للمستقبل.
العوامل التي تزيد احتمالية الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة
لا يرحم ذلك الداء الكبير ولا الصغير، فهو ينقض على الجميع من مختلف الأعمار بعد تعرضهم لحوادث مأساوية مريرة.
ومن أبرز العوامل التي تزيد احتمالية الإصابة بذلك الاضطراب:
- التعرض لأحداث صادمة مدة زمنية طويلة.
- وجود أقارب يعانون مشكلات صحية عقلية، مثل: القلق والاكتئاب.
- فقدان الدعم النفسي والاحتواء العاطفي من المحيطين.
- العمل في وظائف تزيد مخاطر التعرض لأحداث صادمة، مثل: أفراد الجيش.
- إدمان المواد المخدرة والكحول.
- المعاناة السابقة من آفة التوتر والاكتئاب.
مراحل ما بعد الصدمة
يمكن تقسيم مراحل ما بعد الصدمة إلى الآتي:
-
التأثر
تُعد أولى مراحل ما بعد الصدمة، إذ تبدأ بوقوع الحدث الصادم وحينئذ ينقلب حال الشخص وتسوء أحواله.
-
الإنكار
قد يكون الشخص ذو قلب هش وروح هينة لينة فلا يستطيع تقبل الصدمة ولا استيعابها، لذا ينكرها ولا يستطيع تصديق ما رأى منها أو سمع.
-
التعافي على المدى القصير
يبدأ الشخص في هذه المرحلة التفكير بإيجابية، وذلك لوضع عدة حلول ممكنة لتجاوز تلك الصدمة والتعرف إلى كيفية التعامل مع هذه المشكلة.
-
التعافي على المدى البعيد
يتعافى الشخص في هذه المرحلة، لكنه يعاني رواسب تؤرق ليله ونهاره؛ إذ تراوده الذكريات الصعبة وتقتحم الكوابيس نومه.
لا شك أنه استطاع المضي قدمًا واستكمل حياته، لكنه يشعر أيضًا مزيدًا من القلق والخوف والاكتئاب.
تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة
يواجه الأطباء صعوبة تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة؛ وذلك لأن المصابون لا يرغبون تذكر تلك الأحداث الدامية.
بالإضافة إلى ذلك، فهم يترددون كثيرًا في الحديث عن الأعراض التي تلاحقهم وتؤرقهم.
لكن على الجانب الآخر، يستطيع الاختصاصي النفسي تشخيص ذلك الاضطراب بالفحص البدني وملاحظة أعراض الصدمة النفسية على الجسم.
يضع الطبيب معايير تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة بناءً على استمرار ما يلي مدة شهر واحد على الأقل :
- معاناة الشخص أحد أعراض التجنب.
- مرور الشخص بتجربة واحدة على الأقل من أعراض توارد الذكريات.
- انتهاج المصاب اثنين من أعراض الإدراك والمزاج.
- يعاني الشخص اثنين من أعراض الإثارة والانفعال.
اختبار اضطراب ما بعد الصدمة “CAPS -5”
يُعرف بأنه تقييم شخصي لقياس شدة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ويطرح الاختصاصي النفسي ثلاثين سؤالًا بهدف الآتي:
- تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة الحالي، الذي حدث نتيجة وقوع الصدمة خلال الشهر الماضي.
- تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة مدى الحياة، الذي ألمّ بالشخص نتيجة وقوع حادث مرير منذ عدة سنوات ماضية.
علاج اضطراب ما بعد الصدمة
تساعد تقنيات علاج اضطراب ما بعد الصدمة المريض على تخطى تلك المرحلة الحرجة المزعجة من حياته، والمضي قدمًا نحو المستقبل دون قلق وخوف، وتكوين علاقات اجتماعية جيدة مع الآخرين.
لذلك نقدم أهم خطوات علاج اضطراب ما بعد الصدمة:
-
العلاج السلوكي المعرفي
يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى مساعدة المصاب على تذكر الحدث الصادم، ويرشده إلى تغيير نهج تفكيره والتخلص من الأفكار السلبية، والتحكم في مشاعره.
-
العلاج بالتعرض
يلجأ الطبيب لذلك العلاج بقصد استرجاع الحدث الصادم، وتعريض المصاب للصدمة التي عانها تدريجيًا، لكسر حاجز الرهبة والذعر، ولإدارة الأعراض والتكيف معها.
-
إزالة حساسية العين وإعادة المعالجة
تستخدم هذه التقنية للجمع بين العلاج بالتعرض وبعض حركات العين الموجهة، لمساعدة المريض على تذكر الأحداث وخوضها مرة أخرى، لكن بردة فعل مختلفة.
-
العلاج الدوائي
قد يصف الطبيب بعض الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق التي تسهم في تحسين الأعراض، مثل:
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، مثل: دوكسيبين، وأميتريبتيلين، وإيلافيل.
- مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، مثل: فلوفوكسامين وباكسيل.
- مضادات الذهان، مثل: أبيليفاي وكويتيابين.
في الختام، قد تعصف بنا كبوات ونكبات تفطر قلوبنا، وتجرعنا مرارة الأسى وتكون غصة في حلوقنا، وينتهي بنا المطاف بالإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
فلا تعجز -عزيزي- واستعن بالله؛ فالصبر على المصائب شجرة جذورها مُرة لكن ثمارها شهية.
المصادر
https://www.nimh.nih.gov/health/topics/post-traumatic-stress-disorder-ptsd
https://www.psychiatry.org/patients-families/ptsd/what-is-ptsd
https://medlineplus.gov/posttraumaticstressdisorder.html