الأمراض النفسيةالصحة النفسية

اضطراب الهوية التفارقي والاغتراب عن الواقع

Last Updated on: 6th يناير 2022, 03:57 م

اضطراب الهوية التفارقي

أصابتني لعنة اضطراب الهوية التفارقي؛ فأصبحت أسير داخل عالم ليس بعالمي، وباتت حياتي محتلة وعقلي أسير وروحي حبيسة.

 

فما أثقله من شعور عندما تصبح وتمسي وأنت لا تدري من أنت، ومن أين أُحضرت تلك الشخصيات التي سكنت جسدك واحتلت وجدانك؟

 

سنضع بين يديك -عزيزي القارئ- كل ما تود معرفته عن اضطراب الهوية التفارقي وأسبابه، وسبل تشخيصه وعلاجه، فكونوا معنا.

 

تعريف اضطراب الهوية التفارقي

يعرف أيضًا باسم اضطراب تعدد الشخصيات “Dissociative Identity Disorder”، ويعد  أحد الاضطرابات الانشقاقية.

 

يتميز بمصاحبة هويتين أو أكثر للمريض يتناوبان عليه للتحكم في سلوكياته وأفعاله، ويفضّل المريض الانزواء على ذاته والانفصال عن الواقع.

 

كذلك تختل هوية المريض وتتضارب أفكاره وأفعاله ومشاعره، وتتباين الأعراض ما بين البسيطة والحادة.

 

لكن في جميع الأحوال فهي بمثابة عائق أمام قدرة الفرد على استيعاب الواقع وأداء مهامه اليومية.

 

يجدر بالذكر أن اضطراب الهوية التفارقي نادر الحدوث، لكن تزداد فرص الاصابة به لدى الإناث أكثر من الذكور، ويعاني المريض تبدد شخصيته والغربة عن الواقع واضطراب هويته.

 

أعراض اضطراب الهوية التفارقي

تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر، لكن لكل شخصية من الشخصيات المتملكة من المريض سماتها الخاصة وجنسها وعرقها.

 

وعندما تتجلى الشخصية المزيفة تتحكم في سلوك وأفكار المريض تمامًا، ومن أهم الأعراض المصاحبة لاضطراب الهوية التفارقي:

 

  • ضعف الذاكرة والنسيان.
  • تبدد الشخصية.
  • الشعور بالغربة عن الواقع.
  • الانزواء على الذات.
  • الاكتئاب.
  • الهلاوس وكأنه يسمع أصوات ويرى أشخاص تتحدث إليه. 
  • تعاطي المخدرات وشرب الكحول.
  • تباين ردود الأفعال ما بين الانفعال الزائد والهدوء والسكون.
  • التشويش الذهني.
  • الكآبة وتقلبات المزاج.
  • الأفكار الانتحارية.
  • التوتر والقلق المزمن.
  • اضطرابات النوم.
  • الارتباك حول هوية الشخص الحقيقية.
  • الخروج من الجسد، أي الشعور بالانفصال عن الجسد.
  • المشي في أثناء النوم.
  • التعرض لمآزق وعثرات في حياة المريض الاجتماعية والعملية.

 

أسباب اضطراب الهوية التفارقي

تشير الدراسات والأبحاث إلى أن العلة الرئيسية لاضطراب تعدد الشخصيات هي الاعتداء الجسدي أو الجنسي في أثناء مرحلة الطفولة، بالإضافة إلى الاضطهاد وسوء المعاملة.

 

وذلك لأن هذا الاضطراب يكون بمثابة رد فعل نفسي لما تعرض له المريض، وتُعد النساء أكثر عرضة للإصابة به من الرجال.

 

فيما يلي بيان لأهم أسباب اضطراب الهوية التفارقي:

  1. الكوارث الطبيعية.
  2. الحروب.
  3. فقدان شخص عزيز.
  4. العزلة الطويلة بسبب الإصابة بمرضٍ ما.
  5. الإهمال المستمر والأذى النفسي.
  6. الاعتداء الجنسي العنيف.
  7. الإيذاء الجسدي الشديد.

 

مضاعفات اضطراب الهوية التفارقي

اضطراب الهوية التفارقي

يكون المصابون بذلك الاضطراب أكثر عرضة للإصابة بالمضاعفات والاضطرابات النفسية الأخرى، مثل:

 

  1. اضطراب القلق العام.
  2. الاكتئاب.
  3. اضطراب ما بعد الصدمة.
  4. اضطرابات الشهية، إما بتناول مزيد من الطعام أو العزوف عنه.
  5. اضطرابات النوم، الذي يشمل الكوابيس المزعجة والسير في أثناء النوم.
  6. النوبات غير الصرعية.
  7. التشويه الذاتي.
  8. الإصابة بأنواع مختلفة من الفوبيا.

 

الفرق بين الفصام واضطراب الهوية التفارقي

يعرفُ الفصام بأنه اضطراب حاد في الدماغ؛ ويسبب الضلالات والهلاوس؛ مما يؤدي إلى تشويه سلوكيات المصاب وأفكاره.

 

بالإضافة إلى ذلك، يعد أكثر الاضطرابات النفسية تعقيدًا؛ وذلك لأنه يهلك حياة المريض ويقلبها رأسًا على عقب، وقد يلازم المريض طوال حياته ولا ينفك عنه أبدًا.

 

بينما يعرف اضطراب الهوية التفارقي بالانفصال وليس الفصام، أي يمتلك المصاب أكثر من شخصية لكل منها سمات مختلفة تفصله عن الواقع والحقيقة.

 

اختبار اضطراب الهوية التفارقي

من المؤسف عدم وجود اختبار محدد يمكنه تشخيص اضطراب تعدد الشخصيات، فبعد تأكد الطبيب من الأعراض التي يعانيها المصاب؛ يجري الفحص البدني له والتأكد أيضًا من التاريخ المرضي. 

 

كذلك يوصي الطبيب المختص بإجراء الفحوصات الآتية لاستبعاد المرض الجسدي أو الآثار الجانبية لبعض الأدوية:

 

  1. فحوصات الدم، للتأكد من عدم الإصابة بالتسمم بإحدى المواد المسممة.
  2. الرنين المغناطيسي.
  3. التصوير بالأشعة السينية.
  4. الفحص بالأشعة المقطعية.
  5. إجراء تقييم نفسي للمريض.

 

يقتضي الأمر أيضًا باتباع معايير التشخيص وفقًا للدليل التشخيصي والاحصائي للأمراض النفسية  (DSM-5)، مع ضرورة التأكد من عدم ارتباط الأعراض بأي اضطرابات نفسية أخرى.

 

كيفية علاج اضطراب الهوية التفارقي

يجدر بالذكر أن علاج اضطراب الهوية التفارقي قد يستغرق عدة سنوات، لكنه مُجدي وفعال في نهاية المطاف.

 

لكن في حالة إهماله قد يرافق المريض طوال حياته، ويظل جاهلًا لهويته، هائمًا على وجه، مستترة عنه ذاته الحقيقة.

 

يسهم الدعم النفسي والاجتماعي في تغلب المريض على مآسيه وندوب ماضيه التي تشعره بالحزن، لذلك يعتمد الطبيب خطة علاجية محكمة ومناسبة تبعًا لحالة المريض.

 

ومن أهم الخطوات العلاجية المتبعة في كبح جماح اضطراب الهوية التفارقي:

 

1- العلاج النفسي

يعد من أهم الوسائل العلاجية لاضطراب تعدد الشخصيات انتشارًا، ويهدف إلى دمج الشخصيات التي تتناوب على المريض في شخصية واحدة.

 

لذلك يستخدم الطبيب تقنيات تساعد على العمل مع الصدمة، ومواجهة الواقع بحقائقه المسببة لتلك المعاناة.

 

فيستطيع المريض فهم حقيقة أمره ومدى تأثير ما به على نفسه والآخرين، كذلك يساعده على التأقلم مع الأعراض التي يعانيها، والتعامل السليم والصحيح معها.

 

2- العلاج السلوكي المعرفي

يتكون من عدة جلسات منظمة ولفترة زمنية محددة، يساعد فيها المعالج النفسي المريض ليصبح أكثر وعيًا ويدحض تلك الأفكار السلبية البائسة.

 

يهدف العلاج النفسي كذلك إلى علاج المسبب الرئيس لاضطراب تعدد الشخصيات، ويعينه على مواجهة المشكلات المحيطة والتغلب على الضغوطات.

 

3- العلاج الدوائي

لا توجد أدوية علاجية يمكنها علاج وكبح اضطراب الهوية التفارقي، وذلك لأنه ليس مرض عضوي أو يعاني المريض خلل في كيمياء الدماغ.

 

لكن تسهم بعض العقاقير الطبية في تدارك الأعراض التي يعانيها المصاب، مثل:

 

  1. منشطات الجهاز العصبي المركزي. 
  2. الأدوية المثبتة للمزاج، مثل: تجريتول وديفاكوت.
  3. مضادات الاكتئاب، مثل ويلبوترين وميرزاجن.
  4. الأدوية المهدئة مثل البنزوديازيبينات.

   

4- التنويم المغناطيسي

يساعد التنويم المغناطيسي على استعادة الذكريات المدفونة والمكبوتة داخل أعماق المريض، وتعليمه كيفية مواجهتها والتحكم في سلوكياته.

 

سبل التأقلم مع اضطراب  الهوية التفارقي

تسهم بعض الإرشادات والتوصيات في تجاوز المريض لمحنه الدامية، وتعينه على تقبل ذاته والتعايش مع ذلك الاضطراب، ومن أهمها:

 

  1. ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
  2. الحد من التوتر والقلق بتعلم فنون التأمل والاسترخاء.
  3. الابتعاد عن المواد المخدرة والمشروبات الكحولية. 
  4. تجنب نقد الذات وتقبلها كما هي بمميزاتها وعيوبها. 
  5. تعزيز ثقة الشخص بنفسه. 
  6. الانخراط وسط المجتمع، وتجنب العزلة. 
  7. تفريغ الضغوط النفسية والغضب باستمرار، وعدم كبت المشاعر السلبية وتنفيسها دائمًا. 
  8. الحرص على متابعة الطبيب وطلب استشارته. 

 

كيفية التعامل مع المصاب باضطراب الهوية التفارقي 

يعد التعامل مع مريض اضطراب الهوية التفارقي مرهقًا للغاية، ويجب أن يعي المحيطين سبل التعامل الصحيح مع التغيرات والسلوكيات المتباينة، مثل:

 

  1. الوعي بمرض تعدد الشخصيات والأعراض التي يعانيها المريض. 
  2. تشجيع المصاب على زيارة المريض وحضور جلسات الدعم النفسي. 
  3. توقع تغير الشخصية في أي زمان ومكان.
  4. الثبات الانفعالي عند التغيرات المفاجئة لسلوكيات المصاب. 

 

في الختام، أعي أن اضطراب الهوية التفارقي معضلة تعوق المريض عن أداء مهامه، وقد تقطع أواصل علاقاته الاجتماعية والأسرية. 

 

لكن بمتابعة الطبيب والتحلي بالصبر والعزيمة؛ يستطيع دحض تلك المعاناة والشفاء منها. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى