اكتئاب ما بعد الولادة | شبح يسرق الفرحة!
اكتئاب ما بعد الولادة، عندما تنتزع منا الفرحة وتتبدل أحوالنا!
لطالما انتظرت مجيء طفلي وقرة عيني إلى عالمي، وانتظرت الأيام والساعات كي التقي به وأضمه إلى كنفي، لكن لعنة اكتئاب ما بعد الولادة سلبت مني كل أحلامي.
فبعد وضعي لفلذة كبدي تبدل حالي، واعترى أيامي الحزن، وكسى الضيق ملامحي وبت أشعر بغصة في حلقي ليلًا ونهارًا.
سنضع بين يديكِ في هذا المقال كل ما تودين معرفته عن اكتئاب ما بعد الولادة، وأسبابه وأعراض الإصابة، وكيفية العلاج، فتابعي معنا.
اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression)
يعد أحد الاضطرابات النفسية الشائعة التي تصيب معظم الأمهات عادةً ما بين اليوم الرابع واليوم العاشر من الولادة، إذ تشعر الأم بالقلق والحزن وتعاني الإحباط وفقدان الأمل.
يجدر بالذكر أن اكتئاب الحمل يتجلى وينقض على الأم في الحمل الثاني بمعدل 50% إلى 100%، ويُعد الوضع الجديد والمسؤوليات التي طرأت على الأم هم منبع الحزن والضيق والاكتئاب.
بالإضافة إلى الإرهاق الجسدي والنفسي، الذي يؤثر ذلك سلبًا في الأم، وتشعر بعدم وجود أواصل عاطفية بينها وبين مولودها.
ومن المذهل أيضًا، أن ذلك الاكتئاب لا يقتصر على النساء فقط، وإنما قد يصيب الآباء أيضًا، وذلك بعد مرور 3 إلى 6 أشهر من بعد الولادة.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
لا يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة بسببٍ واحد، بل إنه حصيلة ائتلاف مشكلات بدنية ونفسية عديدة تعانيها الأم بعد ولادتها، وتنقسم العوامل المسببة لذلك الاكتئاب إلى الآتي:
-
عوامل جسدية
تتضمن العوامل الجسدية ما يلي:
- اضطراب النوم وعدم أخذ قسط كافٍ منه.
- انخفاض مستوى هرمون البروجيسترون والإستروجين بعد الولادة.
- معاناة الأم بعض المشكلات الصحية، مثل: فقر الدم، أو قصور الغدة الدرقية، أو فرط نشاطها.
- عدم تناول الأم التغذية الصحية السليمة.
-
عوامل نفسية
تشمل تلك العوامل الآتي:
- القلق والتوتر.
- غياب الدعم العاطفي والنفسي من المحيطين.
- القلق الزائد حول صحة الطفل والمسؤوليات الجديدة.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.
أنواع اكتئاب ما بعد الولادة
تختلف حالة الاكتئاب من سيدةٍ لأخرى، تبعًا لطبيعة كل منهن:
-
الكآبة النفسية
تعاني الأم بعض علامات الكآبة النفسية بعد الولادة مباشرةً، لكنها حالة لا تستعدي أي قلق؛ فقد تستمر الأعراض مدة أسبوعين، وقد تنتهي بعد أيام تلقائيًا.
وتتضمن الآتي:
- القلق.
- التقلبات المزاجية.
- الإرهاق الجسدي.
- البكاء.
- صعوبة النوم.
- فقدان الشهية.
-
الاكتئاب بعد الولادة
يُعرف بأنه حالة تستدعي الحيطة والحذر؛ ويعد أشد من الحالة السابق ذكرها، ويتطلب التدخل الطبي على الفور لتجنب بعض المخاطر التي لا يحمد عقباها.
يستمر ذلك الاكتئاب مدة أشهر بعد الولادة أو مدة أطول في حال إهمال العلاج.
وتعاني الأم المصابة الآتي:
- الانزواء على النفس.
- الإفراط في البكاء.
- الأرق.
- وجود حاجز نفسي بين الأم وطفلها وصعوبة التعلق به.
- التقلبات المزاجية الحادة.
- اضطرابات الطعام بالعزوف عنه أو الإفراط في تناوله.
- التعب والإعياء.
- فقدان الطاقة باستمرار.
- اليأس والحزن دائمًا.
- الشعور بالعجز والذنب.
- عدم القدرة على التركيز والتذكر.
- التشويش الذهني.
- أفكار ملحة لإيذاء نفسها أو طفلها.
- سيطرة الأفكار الانتحارية عليها.
-
ذهان ما بعد الولادة
حالة نادرة الحدوث وتظهر عادةً في الأسبوع الأول بعد الولادة، ويصاحبه علامات في غاية الخطورة وربما تهدد حياة الأم والطفل.
وتتضمن الآتي:
- الهلوسة والأوهام.
- سماع أصوات لا وجود لها.
- اضطرابات النوم.
- فقدان الإحساس بالزمان والمكان.
- الهياج.
- محاولات لإيذاء النفس أو الطفل.
-
الوسواس القهري بعد الولادة (Postpartum psychosis)
تصاب الأم بمجموعة من الهواجس المستمرة التي تتعلق بصحة الطفل ورعايته، واهتمامها المبالغ بالنظافة والترتيب ويعتريها القلق والخوف، وتسعى للوصول إلى مرحلة الكمال في كل شيء.
يجعل الوسواس القهري أيام الأم عجاف، ولا تشعر بالرضا والهدوء، ولا تستطيع أن تهنأ براحة البال، لذلك يجب التوجه إلى الطبيب وطلب استشارته.
مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة
قد يُفضي اكتئاب ما بعد الولادة إلى عدة مضاعفات ومشكلات، من أبرزها:
- إصابة الأم بالاكتئاب الحاد المزمن في المستقبل.
- الانفصام العقلي.
- الضغط العاطفي والنفسي للمحيطين.
- يمكن أن يصاب الطفل ببعض المشكلات، مثل: كثرة البكاء، وصعوبة النوم والتغذية، وتأخر النمو اللغوي.
العوامل التي تزيد خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة
توجد بعض العوامل التي تزيد خطر الاصابة بذلك الاكتئاب، مثل:
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب.
- إذا كان الحمل غير مرغوب فيه.
- في حال معاناة الطفل بعض المشكلات الصحية.
- المشكلات الأسرية.
- المعاناة من ضائقة مادية.
متى ينتهي اكتئاب ما بعد الولادة؟
تختلف مدة اكتئاب ما بعد الولادة وفقًا لحالة الأم وشدة الأعراض التي تعانيها، ومدى انتظامها في تناول الأدوية التي يصفها الطبيب.
تصاب الأم بذلك الاكتئاب بعد الولادة مباشرةً أو بعد أربعة أسابيع من الوضع، وقد تستمر الأعراض مدة عام أو أكثر في حال عدم تلقي العلاج المناسب.
وقد تتفاقم المشكلة وتحلّ بها عدة مضاعفات خطرة.
تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة
يستطيع الطبيب النفسي تشخيص الحالة من خلال معرفة الأعراض التي تعانيها الأم.
قد يوصي أيضًا بإجراء بعض فحوصات الدم لمعرفة المشكلات الصحية التي تسهم في الإصابة، مثل: فقر الدم وقصور نشاط الغدة الدرقية.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
يختلف علاج اكتئاب ما بعد الولادة وفقًا لحدة الاكتئاب، والاحتياجات الفردية والحالة الصحية لكل أم.
ويجدر التنويه إلى أن إهمال العلاج، قد يؤدي إلى مضاعفات لا يحمد عقباها، لذلك يعتمد الطبيب على الآتي بهدف التخلص من اكتئاب ما بعد الولادة:
-
العلاج الدوائي
يصف الطبيب جرعات مضادات الاكتئاب المناسبة وفقًا لشدة الاكتئاب، مثل: الفلوكسيتين، وإفيكسور، وسيروكسات.
تستطيع تلك الأدوية استعادة التوازن بين المواد الكيميائية في الدماغ التي تؤثر في التقلبات المزاجية، لتحجيم الأعراض والسيطرة عليها.
تساعد أيضًا على تحسين وتوطيد العلاقة بين الأم والرضيع، لكن تبدأ فاعلية العلاج بعد بضعة أسابيع من تناوله.
يجدر بالذكر أن معظم مضادات الاكتئاب يمكن استخدامها في أثناء الحمل أو الرضاعة الطبيعية، لكن لا بُد أن يعتمدها الطبيب المعالج أولًا.
وذلك لتحديد ما إذا كانت النتائج المرجوة تفوق المخاطر المتوقعة أم لا.
قد يصف الطبيب العلاج الهرموني أيضًا في حالات انخفاض هرمون الإستروجين انخفاضًا كبيرًا، أو في حالات اضطراب هرمونات الغدة الدرقية.
-
العلاج النفسي
يعد أحد ركائز علاج الاكتئاب، ويستخدم جنبًا إلى جنب مع العلاج الدوائي.
ويسعى الطبيب من خلال العلاج النفسي معرفة المشكلات التي تؤرق الأم وتعكر صفوها.
يساعدها أيضًا على التأقلم على الوضع الجديد، وطرد الأفكار السلبية التي تحاوطها من كل حدب وصوب.
-
التحفيز النفسي بالموجات المغناطيسية
تعد وسيلة آمنة ولا تؤثر في الرضاعة، وذلك بتمرير تيار كهربي بالدماغ للتأثير في الناقلات العصبية، وذلك لتحفيز الدماغ وتنظيم النواقل الكيميائية.
لا داع -عزيزتي- للقلق؛ فعادةً يتلاشى ذلك الاكتئاب من تلقاء نفسه في مدة تتراوح ما بين بضعة أيام الى أسبوعين.
10 نصائح للتغلب على اكتئاب ما بعد الولادة دون أدوية
يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة دون أدوية عند اتباع التوصيات الآتية:
- تجنب الكحوليات والتدخين.
- تخصيص وقت للعناية بالنفس.
- التغذية السليمة والصحية، وتناول وجبات صغيرة بانتظام للمحافظة على مستوى السكر في الدم.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- أخذ قسط كافي من النوم، من 7 إلى 8 ساعات في اليوم.
- التخطيط الجيد في أثناء الحمل لما بعد الولادة، لتجنب الشعور بالضغط والتوتر بعد الولادة.
- التحدث مع متخصصي الرعاية الصحية والانضمام إلى مجموعات الدعم الاجتماعي.
- توطيد العلاقات الاجتماعية وقبول الدعم من المحيطين.
- الاسترخاء قدر الإمكان.
- طلب المساعدة ممن حولك، والابتعاد عن القلق والتوتر.
في الختام، هوني على نفسك -عزيزتي الأم- فكل مر سيمر، ولا تلقي بالًا لتلك الأفكار المزعجة السلبية.
انظري إلى وليدكِ الصغير، واعلمي إنكِ له الكون بأكمله.
وأوصيكي بزيارة الطبيب في حال معاناتكِ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة السابق ذكرها في المقال، كي تنعمي بالراحة النفسية التي تستحقينها.
المصادر
https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/postpartum-depression/symptoms-causes/syc-20376617
https://www.medicalnewstoday.com/articles/237109
https://www.healthline.com/health/depression/postpartum-depression#causes